تراجع مفاجئ في أسواق الذهب بعد قمة تاريخية: ماذا يجري خلف الكواليس؟

شهدت أسعار الذهب تراجعًا ملحوظًا خلال تعاملات اليوم بعد أن وصلت إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، حيث أثرت عمليات جني الأرباح وارتفاع طفيف في سعر صرف الدولار على شهية المستثمرين تجاه المعدن النفيس المستمر باعتباره ملاذًا آمنًا.
تراجع أسعار الذهب والعوامل المؤثرة
انخفض سعر الذهب الفوري بنسبة 0.6% ليصل إلى 3668.04 دولارًا للأوقية، بعد أن سجّل مستوى قياسيًا بلغ 3702.95 دولارًا في وقت سابق من الجلسة، مما يعكس تقلبات واضحة في الأسواق العالمية قبل قرارات هامة بشأن السياسات النقدية.
كما تراجعت العقود الأمريكية الآجلة لتسليم ديسمبر بنفس النسبة تقريبًا، لتسجل 3703.50 دولارات، مما يدل على تراجع الزخم الصعودي الذي صاحب الذهب في الأيام الماضية.
يُرجح المحللون أن التراجع الحالي هو تطور طبيعي بعد الارتفاع الحاد، خاصة مع اقتراب الأسعار من مستويات مقاومة نفسية وتقنية عند 3700 دولار، مما يدفع المستثمرين لجني الأرباح وتأمين مكاسبهم.
في هذا السياق، أشارت رونا أوكونيل، كبيرة المحللين في “ستون إكس”، إلى أن الذهب غالبًا ما يتراجع كلما اقترب من مستوى 3700 دولار، مرجحة أن يُعزى ذلك إلى نشاط حائزي عقود خيارات البيع الذين يسعون للدفاع عن هذا المستوى.
التوقعات الاقتصادية وتأثيرات الدولار
يأتي هذا التذبذب وسط ترقب المستثمرين قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بشأن أسعار الفائدة، مع توقعات متزايدة بخفض جديد قدره ربع نقطة مئوية.
يأمل المستثمرون أن يدعم الخفض المرتقب سوق العمل الأمريكية التي سجلت مؤشرات تباطؤ في الأشهر الأخيرة، ولكن هذا الترقب يأتي مع الحذر نظرًا لتباين الآراء داخل اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة.
كما أضافت أوكونيل أن التوقعات تشير إلى احتمالية وجود معارضة من ثلاثة أعضاء على الأقل، مما يعكس تباين الآراء داخل البنك المركزي حول مسار السياسة النقدية المستقبلية.
بدوره، دعا الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى خفض أكبر للفائدة، معتبرًا أن الخطوات التدريجية غير كافية لدعم النمو وتحفيز الأسواق المالية.
علاوة على ذلك، ساهم ارتفاع الدولار بنسبة 0.2% في تراجع أسعار الذهب، إذ أن قوة العملة الأمريكية تُقلل من جاذبية الذهب بالنسبة للمستثمرين الذين يتعاملون بعملات أخرى.
تأثير التراجع على المعادن النفيسة الأخرى
على صعيد المعادن النفيسة الأخرى، تراجعت أسعار الفضة بنسبة 2.3% لتصل إلى 41.58 دولارًا للأوقية، بينما سجل البلاتين انخفاضًا مماثلًا ليُتداول عند 1358.67 دولارًا.
أما البلاديوم، فقد خسر هو الآخر 2.3% من قيمته ليستقر عند مستوى 1149.25 دولارًا، مما يعكس اتجاهًا عامًا نحو التصحيح في أسواق المعادن بعد موجة مكاسب قوية.
يُعزى هذا التراجع الجماعي إلى سلوك الأسواق قبيل القرارات السياسية الكبرى، حيث يميل المستثمرون إلى تقليص انكشافهم على الأصول عالية الحساسية للفائدة والدولار.
كما أن التوقعات بحدوث خفض محدود للفائدة دفعت بعض المستثمرين إلى إعادة تقييم مراكزهم في الأسواق، لا سيما بعد أن شهد الذهب صعودًا قويًا تجاوز التوقعات خلال الأسابيع الماضية.
رغم التراجع، يظل الذهب بالقرب من مستوياته القياسية، مما يعكس استمرار العوامل الداعمة له مثل التوترات الجيوسياسية وعدم اليقين حيال النمو الاقتصادي العالمي.
يُنتظر أن تحدد لهجة الخطاب الذي سيدلي به رئيس مجلس الاحتياطي، جيروم باول، عقب القرار المصيري، اتجاه الذهب في المدى القريب، سواء نحو استئناف الصعود أو استمرار التصحيح.
تشير معظم التقديرات إلى أن الذهب سيبقى في نطاق مرتفع ما دامت التوقعات تُرجّح مزيدًا من التيسير النقدي وتباطؤًا في النمو، مما يعزز مكانته كملاذ استثماري طويل الأجل.